سورة الحجر - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإِنسان} يعني آدم {من صلصال} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الطين اليابس الذي لم تُصِبه النار، فإذا نقرتَهَ صَلَّ، فسمعتَ له صلصلة، قاله ابن عباس، وقتادة، وأبو عبيدة، وابن قتيبة.
والثاني: أنه الطين المنتن، قاله مجاهد، والكسائي، وأبو عبيد. ويقال: صَلَّ اللحمُ: إِذا تغيرت رائحته.
والثالث: أنه طين خُلط برمل، فصار له صوت عند نقره، قاله الفراء. فأما الحمأُ، فقال أبو عبيدة: هو جمع حَمْأة، وهو الطين المتغير. وقال ابن الأنباري: لا خلاف أن الحمأ: الطين الأسود المتغيِّر الريح. وروى السدي عن أشياخه قال: بُلَّ الترابُ حتى صار طيناً، ثم تُرك حتى أنتن وتغيَّر.
وفي المسنون أربعة أقوال.
أحدها: المنتن أيضاً، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة في آخرين. قال ابن قتيبة: المسنون: المتغير الرائحة.
والثاني: أنه الطين الرطب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أنه المصبوب، قاله أبو عمرو بن العلاء، وأبو عبيد.
والرابع: أنه المحكوك، ذكره ابن الأنباري، قال: فمن قال: المسنون: المنتن، قال: هو من قولهم: قد تسنَّى الشيء: إِذا أنتن، ومنه قوله تعالى: {لم يتسنَّهْ} [البقرة 259]، وإِنما قيل له: مسنون، لتقادم السنين عليه. ومن قال: الطين الرطب، قال: سمي مسنوناً، لأنه يسيل وينبسط، فيكون كالماء المسنون المصبوب. ومن قال: المصبوب، احتج بقول العرب: قد سننت عليَّ الماء: إِذا صببته. ويجوز أن يكون المصبوب على صورة ومثال، من قوله: رأيت سُنَّة وجهه، أي: صورة وجهه، قال الشاعر:
تُرِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍ غَيْرَ مُقْرِفَةٍ *** مَلْسَاءَ لَيْسَ بِهَا خَالٌ وَلاَ نَدَبُ
ومن قال: المحكوك، احتج بقول العرب: سننت الحجر على الحجر: إِذا حككته عليه. وسمي المِسَنُّ مسناً، لأن الحديد يُحَكُّ عليه. قال: وإِنما كُرِّرت {مِنْ} لأن الأولى متعلقة ب {خلقنا}، والثانية متعلقة بالصلصال، تقديره: ولقد خلقنا الإِنسان من الصلصال الذي هو من حمأٍ مسنون.
قوله تعالى: {والجانَّ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه مسيخ الجن، كما أن القردة والخنازير مسيخ الإِنس، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: أنه أبو الجن، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وروى عنه الضحاك أنه قال: الجانُّ أبو الجن، وليسوا بشياطين، والشياطين ولد إِبليس لا يموتون إِلا مع إِبليس، والجن يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر.
والثالث: أنه إِبليس، قاله الحسن، وعطاء، وقتادة، ومقاتل.
فإن قيل: أليس أبو الجن هو إِبليس؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أنه هو، فيكون هذا القول هو الذي قبله.
والثاني: أن الجانَّ أبو الجن، وإِبليس أبو الشياطين، فبينهما إِذاً فرق على ما ذكرناه عن ابن عباس. قال العلماء: وإِنما سمي جانّاً، لتواريه عن العيون.
قوله تعالى: {من قبل} يعني: قبل خَلْق آدم {من نار السموم}، وقال ابن مسعود: من نار الريح الحارَّة، وهي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم. والسَّموم في اللغة: الريح الحارَّة وفيها نار، قال ابن السائب: وهي نار لا دخان لها.


قوله تعالى: {فإذا سوَّيتُه} أي: عدَّلتُ صورته، وأتممتُ خلقته {ونفختُ فيه من روحي} هذه الروح هي التي يحيا بها الإِنسان، ولا تُعْلَم ما هيَّتُها، وإِنما أضافها إِليه، تشريفاً لآدم، وهذه إِضافة مِلْك. وإِنما سمي إِجراء الروح فيه نفخاً، لأنها جرت في بدنه على مثل جري الريح فيه.
قوله تعالى: {فقعوا} أمر من الوقوع. وقوله: {كلُّهم أجمعون} قال فيه سيبويه والخليل: هو توكيد بعد توكيد. وقال المبرد: {أجمعون} يدل على اجتماعهم في السجود، فالمعنى: سجدوا كلُّهم في حالة واحدة. قال ابن الأنباري: وهذا، لأن {كلاًّ} تدل على اجتماع القوم في الفعل، ولا تدل على اجتماعهم في الزمان. قال الزجاج: وقول سيبويه أجود، لأن {أجمعين} معرفة، ولا تكون حالاً.
قوله تعالى: {وإِن عليك اللعنة} قال المفسرون: معناه: يلعنك أهل السماء والأرض إِلى يوم الحساب. قال ابن الأنباري: وإِنما قال: {إِلى يوم الدِّين} لأنه يوم له أول وليس له آخر، فجرى مجرى الأبد الذي لا يفنى، والمعنى: عليك اللعنة أبداً.
قوله تعالى: {إِلى يوم الوقت المعلوم} يعني: المعلوم بموت الخلائق فيه، فأراد أن يذيقه ألم الموت قبل أن يذيقه العذاب الدائم في جهنم.
قوله تعالى: {لأزيِّننَّ لهم في الأرض} مفعول التزيين محذوف، والمعنى: لأزيِّننَّ لهم الباطلَ حتى يقعوا فيه. {ولأُغوينَّهم} أي: ولأُضِلَّنَّهم. والمخلَصون: الذين أخلصوا دينهم لله عن كل شائبة تناقض الإِخلاص، وما أخللنا به من الكلمات هاهنا، فقد سبق تفسيرها في [الأعراف: 16] وغيرها.
قوله تعالى: {قال هذا صراط عليَّ مستقيم} اختلفوا في معنى هذا الكلام على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يعني بقوله هذا: الإِخلاصَ، فالمعنى: إِن الإِخلاص طريق إِليَّ مستقيم، و{عليَّ} بمعنى إِليَّ.
والثاني: هذا طريق عليَّ جَوازه، لأني بالمرصاد، فأجازيهم بأعمالهم؛ وهو خارج مخرج الوعيد، كما تقول للرجل تخاصمه: طريقك عليَّ، فهو كقوله: {إِن ربك لبالمرصاد} [الفجر 14].
والثالث: هذا صراط عليَّ استقامته، أي: أنا ضامن لاستقامته بالبيان والبرهان. وقرأ قتادة، ويعقوب: {هذا صراطٌ عَلِيٌّ} بكسر اللام ورفع الياء وتنوينها، أي: رفيع.


قوله تعالى: {إِن عبادي} فيهم أربعة أقوال:
أحدها: أنهم المؤمنون.
والثاني: المعصومون، رُوِيا عن قتادة.
والثالث: المخلِصون، قاله مقاتل.
والرابع: المطيعون، قاله ابن جرير. فعلى هذه الأقوال، تكون الآية من العامِّ الذي أريد به الخاصُّ.
وفي المراد بالسلطان قولان:
أحدهما: أنه الحجة، قاله ابن جرير، فيكون المعنى: ليس لك حجة في إِغوائهم.
والثاني: أنه القهر والغلبة؛ إِنما له أن يَغُرَّ ويزيِّن، قاله أبو سليمان الدمشقي. وسئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية، فقال: ليس لك عليهم سلطان أن تلقيَهم في ذَنْب يضيق عفوي عنه.
قوله تعالى: {وإِن جهنم لموعدهم أجمعين} يعني: الذين اتَّبعوه.
قوله تعالى: {لها سبعة أبواب} وهي دركاتها بعضها فوق بعض، قال علي عليه السلام: أبواب جهنم ليست كأبوابكم هذه، ولكنها هكذا وهكذا وهكذا بعضها فوق بعض، ووصف الراوي عنه بيده وفتح أصابعه. قال ابن جرير: لها سبعة أبواب، أولها جهنم، ثم لَظى، ثم الحُطَمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية. وقال الضحاك: هي سبعة أدراك بعضها فوق بعض، فأعلاها فيه أهل التوحيد يعذَّبون على قدر ذنوبهم ثم يُخرَجون، والثاني فيه النصارى، والثالث فيه اليهود، والرابع فيه الصائبون، والخامس فيه المجوس، والسادس فيه مشركو العرب، والسابع فيه المنافقون. قال ابن الأنباري: لما اتصل العذاب بالباب، وكان الباب مِنْ سببه، سمي باسمه للمجاورة، كتسميتهم الحدث غائطاً.
قوله تعالى: {لكل بابٍ منهم} أي: من أتباع إِبليس {جزءٌ مقسوم} والجزء: بعض الشيء.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9